كتب جريجوري ووترز أن مسيحيي مدينة صافيتا الساحلية الصغيرة في سوريا استيقظوا صباح السادس من يوليو ليجدوا منشورات تحمل تهديدات بالقتل أمام كنائسهم، موقعة باسم جماعة "سرايا أنصار السنة" التي تبنّت قبل أسبوعين تفجيرًا انتحاريًا في كنيسة مار إلياس بدمشق أودى بحياة 25 مصليًا.

هذا الحدث أعاد تسليط الضوء على وضع المسيحيين بعد سقوط بشار الأسد وصعود أحمد الشرع، القيادي الإسلامي السابق، إلى الرئاسة.

ونقلت أتلانتيك كاونسل أن بعض القادة المسيحيين، مثل الأب ديمتري في مدينة السقيلبية، قلّلوا من شأن التهديدات وعدّوها محاولة من فلول أنصار الأسد لإثارة الخوف.

ورغم هذا التفاؤل الظاهري، تبقى أوضاع المجتمعات المسيحية متفاوتة؛ إذ زار الكاتب مدنًا مسيحية عدة بين مايو ويوليو، ورصد آراء متباينة تتراوح بين رفض كامل ودعم متحمس للحكومة الجديدة.

في السقيلبية، التي عُرفت سابقًا بمليشياتها الموالية للأسد والمدعومة من روسيا، تولّى مسؤولون جدد إدارة المدينة، أبرزهم ضابط من "هيئة تحرير الشام" هو فايز لطوف، ورئيس بلدية مسيحي سابق في الجيش الحر هو أمجد حداد.

بفضل هذه القيادة المزدوجة، ينعم السكان بحرية اجتماعية نسبية، إذ تُفتح المقاهي حتى منتصف الليل وتُحترم خصوصيات المسيحيين.

ويرى الأب ديمتري أن وجود حداد سهّل تقبّل السكان للحكومة الجديدة وبنى جسور ثقة مع المسؤولين السنة.

أما في اللاذقية، فقد أتاح التاريخ المشترك بين المسيحيين والسنة نوعًا من الألفة، فظهرت مبادرات مشتركة لحماية أماكن العبادة.

علي حمادة، الناشط السني العائد بعد سنوات من المنفى، أسس مجموعات حماية تضم مسيحيين وسنة.

الناشط المسيحي طوني دانيال يؤكد أن المسيحيين كانوا أداة بيد نظام الأسد، وأن خوفهم من المسلمين جرى تكريسه لسنوات.

لكنه يشير إلى أن الحكومة الجديدة سرعان ما تواصلت مع القيادات المسيحية وضمنت إقامة احتفالات عيد الفصح بأمان، وإن ظلّت المخاوف قائمة بشأن دستور مارس الذي يفتقر إلى ضمانات ديمقراطية.

في المقابل، تظهر حالة حذر واضحة في بلدات مثل مشتى الحلو ووادي العيون، حيث يحيط القرى المسيحية جيران علويون. هنا يسود القلق من هيمنة رجال دين سنة على القرار المحلي.

أحد الأطباء وقادة المجتمع في مشتى الحلو عبّر عن خيبة أمل بسبب غياب الشفافية وارتفاع الجريمة الصغيرة وتهميش منظمات المجتمع المدني المسيحية.

وازدادت المخاوف مع تداول الشائعات على وسائل التواصل حول نوايا الحكومة بفرض الشريعة.

بعض الكهنة يصرحون علنًا أن خلفية الرئيس الشرع الجهادية تجعلهم يخشون مستقبلًا من التمييز، رغم تحسّن الوضع الأمني وانخفاض العنف منذ مارس.

الهجمات المتفرقة على الكنائس والممتلكات المسيحية خلال الأشهر الماضية عززت هذه المخاوف.

ورغم أن كثيرًا من القرى لم تشهد اضطهادًا مباشرًا، فإن تفجير كنيسة دمشق في 22 يونيو أثار صدمة كبيرة دفعت بعض المجتمعات إلى تقليص أنشطتها الدينية مؤقتًا.

في المقابل، تؤكد شخصيات دينية في السقيلبية واللاذقية أن انخراط السلطات المحلية مع رجال الدين ساعد على ترميم الثقة بشكل تدريجي.

الوضع في إدلب أكثر تعقيدًا؛ إذ بقيت بضع قرى مسيحية على هامش الصراع. شهدت هذه المناطق تقلبات بين سيطرة فصائل الجيش الحر، مرورًا بمرحلة سيطرة "داعش"، ثم "جبهة النصرة".

منذ تأسيس "حكومة الإنقاذ السورية" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" عام 2018، بدأ حوار جدي بين رجال الدين المسيحيين وقيادات الهيئة.

الشيخ عبد الرحمن عطون، المفتي الأعلى، أصدر في 2022 فتوى تسمح علنًا بالممارسات الدينية المسيحية.

وعلى الرغم من استمرار مشكلات تتعلق باسترداد الممتلكات من عائلات مقاتلين أجانب مثل "الحزب الإسلامي التركستاني"، تحسّن الأمن العام وتراجع التهديد المباشر.

الكاهن حنا جلوف، الذي عُيّن لاحقًا أسقفًا بحلب، أكد أن العلاقات بين المسيحيين والسلطات الجديدة تطورت إيجابيًا رغم بطء حل نزاعات الأراضي.

مع ذلك، يظل شبح العنف الطائفي قائمًا. أحداث السادس من مارس، حين شهد الساحل السوري انتفاضة مسلحة ومجزرة بحق علويين على أيدي مسلحين سنة وقوات حكومية، بددت أي أمل بالاستقرار لدى بعض المسيحيين.

ناشط في بانياس صرّح أن المجزرة أنهت ثقته بالحكومة الجديدة ودفعته للتفكير بالهجرة.

في أماكن أخرى، يحاول رجال الدين لعب دور الوسيط بين العلويين والحكومة، ساعين إلى بناء جسور الثقة وإظهار أن الأقليات قادرة على التعاون مع السلطات.

خلاصة الكاتب أن التجربة المسيحية في سوريا ليست موحدة؛ فالبعض يشعر بالتفاؤل، وآخرون يعيشون في خوف، فيما فقد قسم ثالث كل أمل.

ورغم غياب استهداف منظم للمسيحيين من جانب الحكومة الجديدة، إلا أن الطريق ما زال طويلاً قبل أن تكسب دمشق ثقة هذا المكوّن الحيوي من المجتمع السوري.

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/dispatch-from-syrias-christian-strongholds-a-new-government-a-full-political-spectrum/